logo

اختر قسم للفتوى

ابحث في الفتاوى

عن جابر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))، في صحيح مسلم 1: 88، وسنن الترمدي 5: 13، وفي رواية: ((ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة))، في مسند أبي عوانة 1: 63، ومسند الشهاب 1: 181. وهذه الأحاديث لا تحمل على ظاهرها، وإنما يمكن تأويلها بما يلي: أولاً: إنها محمولة على التهويل والتعظيم لمكانة الصلاة، قال الإمام اللكنوي في نفع المفتي ص177: ((والأحاديث الدالة على كفر التارك محمولة على الزجر والتوبيخ)). ثانياً: إنها محمولة على معنى الكفر لغة، قال الإمام الطحاوي رحمه الله: ((إن الكفر المذكور في هذا الحديث خلاف الكفر بالله، وإنما هو عند أهل اللغة: أنه يغطي إيمان تارك الصلاة، ويغيبه حتى يصير غالباً عليه مغطياً له، ومن ذلك ...قول الله جل جلاله: (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُه) الحديد: 20، يعني الزراع الذين يغيّبون ما يزرعون في الأرض لا الكفار بالله جل جلاله، ومن ذلك ما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث كسوف الشمس: ((وأريت النار ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن، قيل: أيكفرن بالله عز وجل؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط ))، في صحيح مسلم 2: 626، وصحيح البخاري 1: 357، فسمّى ما يكون منهنّ مما يغطين به الإحسان كفراً، ومن ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر))، في صحيح مسلم 1: 61، وصحيح البخاري 1: 27, ولم يكن ذلك على الكفر بالله عز وجل، ولكنه ما قد ركب إيمانه وغطاه من قبيح فعله ... والله أعلم حتى تصح هذه الآثار ولا تختلف)).
أقول وبالله التوفيق: تارك الصلاة له حالان: إما أن يتركها جحوداً أو كسلاً:الأول: تارك الصلاة جحوداً وإنكاراً لها: فإنه يكفر؛ لأن الصلاة فرض ثبتت بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، ومن ينكر الفرض فهو كافر. الثاني: تارك الصلاة عمداً مجوناً وتكاسلاً: فإنه فاسق, ويحبس حتى يصلي؛ لأنه يحبس لحق العبد فحق الله أحق. وحجة ذلك: عن عبادة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ((خمس صلوات افترضهن الله على عباده فمن جاء بهن وقد أكملهن ولم ينتقصهن استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومَن جاء بهن وقد انتقصهن استخفافاً بحقهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء رحمه))، في صحيح ابن حبان 5: 23، والأحاديث المختارة 8: 365، وسنن أبي داود 2: 62، وسنن النسائي الكبرى 1: 142، والمجتبى 1: 230، وسنن ابن ماجة 1: 449، والموطأ 1: 123، وفي رواية: ((فمن لقيه بهن لم يضيع منهن شيئاً لقيه وله عنده عهد يدخله به الجنة، ومَن لقيه وقد انتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن لقيه ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له))، في مسند أحمد 5: 322، ومشكل الآثار 4: 194. وعن كعب بن عجرة الأنصاري رضي الله عنه قال: ((خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد سبعة منا ثلاثة من عربنا وأربعة من موالينا، فقال: ما يجلسكم هنا؟ قلنا: الصلاة، قال: فنكت بأصبعه في الأرض، ثم نكس ساعة، ثم رفع إلينا رأسه، فقال: تدرون ما يقول ربكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: إنه يقول مَن صلى الصلاة لوقتها وأقام حدها كان له به على الله عهد إذا جاءه الجنة، ومَن لم يقم الصلاة لوقتها ولم يقم حدها لم يكن له به عندي عهد إن شئت أدخلته النار وإن شئت أدخلته الجنة)). في مشكل الآثار 4: 200، وسنن الدارمي 1: 303، ومسند عبد بن حميد 1: 145. قال الإمام الطحاوي في مشكل الآثار 4: 201: ((وفي حديثيهما جميعاً: وإن شاء أدخله الجنة، فكان في ذلك ما قد دلّ أنه لم يخرجه بذلك من الإسلام فيجعله مرتداً مشركاً; لأن الله جل جلاله لا يدخل الجنة من أشرك به؛ لقوله جل جلاله:(إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) المائدة: 73، ولا يغفر له؛ لقوله جل جلاله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء: 48)). وهذا أولى بالقياس; لأن فرائض الله على عباده في أوقات خواص منها:الصلوات الخمس، ومنها: صيام شهر رمضان، ومن ترك صوم شهر رمضان متعمداً بغير جحد لفرضه عليه لا يكون بذلك كافراً ولا عن الإسلام مرتداً، فكان مثله تارك الصلاة حتى يخرج وقتها دون جحود لها وكفر بها، فلا يكون بذلك مرتداً ولا عن الإسلام خارجاً. ينظر: مشكل الآثار 4: 206، وتنوير الأبصار والدر المختار 1: 235، والله أعلم.