حديث: ((إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه))
الصوم
رقم الفتاوى: 879
القراءات: 18
المفتي: أ.د. صلاح محمد ابو الحاج
تارخ النشر:

الاثنين، ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤

السؤال:
هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث: ((إذا سمع أحدكم النداء والإناء في يده، فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه))؟
الجواب:
روي مثل هذا عن أبي هريرة رضي الله عنه، في المستدرك 1: 320، 323، 588، وقال: صحيح على شرط مسلم، وفي سنن البيهقي الكبير 4: 218، وسنن الدارقطني 2: 165، وسنن أبي داود 2: 302، ومسند أحمد 2: 510، لكن كبار الحفاظ صرحوا بعدم صحته بطريقيه، قال الحافظ أبو حاتم الرازي: ((هذان الحديثان ليسا بصحيحين، أما حديث عمار فعن أبي هريرة رضي الله عنه موقوف، وعمار ثقة، والحديث الآخر ليس بصحيح))، ينظر: علل ابن أبي حاتم 1: 123، 1: 256، وتفصيل الكلام في ضعف هذا الحديث في صحيح صفة صيام النبي صلى الله عليه وسلم ص82-84، وهذا الحديث في ظاهره مخالف للقرآن في قوله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)، البقرة: 187، لكن إن صح هذا الحديث فيمكن حمله على الآتي: 1. إن المراد بالنداء نداء بلال الأول، قال العلامة العلقمي: ((قيل: المراد بالنداء أذان بلال الأول؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم))، ينظر: بذل المجهود شرح سنن أبي داود 11: 151. وقال الحافظ البيقهي في سننه الكبير 4: 218: ((وهذا إن صح فهو محمول عند عوام أهل العلم على أنه صلى الله عليه وسلم علم أن المنادي كان ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبيل طلوع الفجر… ليكون موافقاً … لقوله صلىالله عليه وسلم : ((لا يمنعن أحداً منكم أذان بلال من سحوره فإنّما ينادي؛ ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم)). 2. إن المراد تيقّن عدم طلوع الفجر أو الشكّ، قال العلامة العزيزي في السراج المنير 1: 144: ((والمعنى أنه يباح له أن يأكل ويشرب حتى يتبين له دخول الفجر الصادق باليقين، والظاهر أن الظن به الغالب ملحق باليقين هنا، أما الشاك في طلوع الفجر وبقاء الليل إذا تردد فيهما، فقال أصحابنا: يجوز له الأكل؛ لأن الأصل بقاء الليل، قال النووي وغيره: إن الأصحاب اتفقوا على ذلك، وممن صرح به الدارمي والبندنيجي وخلائق لا يحصون)). وقال القاري: ((وهذا إذا علم أو ظن عدم الطلوع))، وقال ابن ملك: ((وهذا إذا لم يعلم طلوع الصبح، أما إذا علم أنه قد طلع أو شك فيه فلا))، ينظر: بذل المجهود بشرح سنن أبي داود 11: 152. 3. إن المراد بالنداء نداء المغرب، قال الإمام المناوي: ((والمراد إذا سمع الصائم الأذان للمغرب))، وقال العلامة محمد يحيى: ((إن كان المراد بالنداء نداء المغرب فالمعنى ظاهر، وهو أنه لا ينبغي له أن ينتظر بعد الغروب شيئاً من تمام النداء أو غيره، بل يجب له المسارعة في الإفطار))، ينظر: السراج المنير شرج الجامع الصغير 1: 144، وبذل المجهود 11: 152. 4. إن تحريم الأكل متعلق بالفجر لا بالأذان، قال العلامة السهارنفوري في بذل المجهود 11: 152: ((والأولى في تأويل هذا الحديث أن يقال: إن هذا القول أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تحريم الأكل متعلق بالفجر لا بالأذان، فإن المؤذن قد يبادر بالأذان قبل الفجر فلا عبرة بالأذان إذا لم يعلم طلوع الفجر، وهذا الحكم للعارفين بالفجر، وأما العوام الذين لا يعرفون فعليهم بالاحتياط، والله تعالى أعلم)). وقال العلامة محمد يحيى: ((إن أريد بها نداء صلاة الفجر، فالمعنى أن النداء لا يعتد به، وإنما المناط هو الفجر، فلو أذن المؤذن والصائم يعلم أن الفجر لم ينبلج بعد، فليس له أن يضعه من يده حتى يقضي حاجته، هذا وقد ذهب به وبما يشير إليه قوله تعالى: (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ)، إلى أن المراد هو التبين دون نفس انبلاج الفجر، وهو أولى بحال العوام نظراً إلى تيسير الشرع ، فإن أكثر الخواص أيضاً عاجزون عن درك حقيقته ، فكيف لغير الخواص ، فإباطة الأمر بنفس الانبلاج لا يخلو عن إحراج وتكليف))، ينظر: بذل المجهود 11: 152. 5. إنه محمول على غير الصوم، قال العلامة محمد يحيى: ((لك أن تحمل الرواية على غير حالة الصوم، فلا تتعلق هي بالفجر ولا بالمغرب، بل هي واردة على أمر الصلاة: كورود قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا حضرت العشاء، وأقيمت العشاء فابدءوا بالعشاء))، في مسند إسحاق بن راهويه 2: 120، فإنهما سيقا على نمط واحد، والمرعي فيهما قطع بال المصلي عن الاشتغال بغير أمر الصلاة، فكما أنها واردة بقضاء حاجته، فكذلك هي واردة بقضاء حاجته من الشراب فلا يلزم ما لزم، والله تعالى أعلم))، ينظر: بذل المجهود 11: 152-153.